أجرت جريدة الشروق الجزائرية حوارًا مع القائم بأعمال السفارة الصينية بالجزائر تشيان جين، تحدث فيه عن نتائج القمة العربية الصينية التي عقدت قبل أيام في العاصمة السعودية الرياض، بمشاركة جزائرية.
وتطرق الدبلوماسي الصيني في حديثه أيضًا إلى لعلاقة الوثيقة بين بكين والجزائر، خاصة بعد توقيعها على اتفاقية تعاون استراتيجي شامل وأخرى لتنفيذ مبادرة “الحزام والطريق.” كما أكد اهتمام بلاده بقطاع صناعة السيارات في الجزائر، مع سعي بكين للانخراط في تنفيذ قانون الاستثمار الجديد.
وفيما يلي جزء من الحوار المنشور على موقع الشروق:
قمة عربية صينية عُقدت بالعربية السعودية، ماذا حققت القمة للجانبين؟
الصين والبلدان العربية باعتبارهما قوى مهمة للدول النامية، وحضارتين رئيسيتين على الساحة الدولية، عقدت القمة الأولى بين الجانبين الصيني والعربي، التي لها أهمية دولية بالغة وتأثيرات تاريخية عميقة تتجاوز النطاق الثنائي والإقليمي.
أصدر الجانبان “إعلان الرياض” والخطوط العريضة لخطة التعاون الشامل بين الصين والدول العربية، ووثيقة بشأن تعميق الشراكة الإستراتيجية الصينية-العربية من أجل السلام والتنمية، وتم التوصل بين المصالح المعنية للجانب الصيني، والجانب العربي والأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى عدد من وثائق تعاون بشأن الحزام والطريق والطاقة والغذاء والاستثمار والتنمية الخضراء والأمن والفضاء ومجالات أخرى.
وبين هذه الوثائق، ورد في “إعلان الرياض” أن الجانبين يتفقان على تضافر الجهود لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد.
الخطوة الأولى لبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك وتنفيذ “الخطوط العريضة لخطة التعاون الشامل بين الصين والدول العربية”، في السنوات الثلاث وحتى الخمس القادمة، سيعمل الجانبان الصيني العربي على تنفيذ “الأعمال الثمانية المشتركة” التي تشمل مجالات تدعيم التنمية، الأمن الغذائي، الصحة، التنمية الخضراء والابتكار، أمن الطاقة، الحوار بين الحضارات، تأهيل الشباب، الأمن والاستقرار.
هذه النتائج المثمرة تدل على الإمكانات الكبيرة والآفاق الواسعة للتعاون الصيني العربي في المستقبل.
هل يمكن القول إن الصين شريك موثوق وصديق للدول العربية؟
هل الصين شريك موثوق وصديق للدول العربية أم لا؟ الإجابة على هذا السؤال لا تأتي من الطرف الصيني فقط، بل من شركائها أيضا، كما أشار الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبد الرحمان في خطابه في القمة، يحملنا على استذكار التواصل بين الحضارتين العربية والصينية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، حيث ارتبط الجانبان بعلاقات امتدت على مدى أكثر من 2000 سنة، عبر طريق الحرير برا وبحرا، وكان السلام والانفتاح والتسامح والتعاون سمة بارزة للتواصل بين الجانبين.
وأكد بأن التاريخ المعاصر للجانبين يشهد بدوره على استمرار هذا الإرث التاريخي المتميز من خلال عديد محطات التعاون والتضامن بين الطرفين، والصين لم تتردد في دعم القضية الفلسطينية ومساندة حركات التحرر في الدول العربية، وبدورها، لم تتخلف الدول العربية في دعم مبدأ الصين الواحدة واستعادة مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة.
إن الصين والدول العربية حققتا خلال السنوات الأخيرة قفزة نوعية، بلغت معها معدلات التبادل التجاري والاستثمارات البينية مستويات قياسية، جعلت من الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية، التي أصبحت بدورها سابع شريك تجاري للصين، وموردها الأول من النفط الخام، وقد انتقلت هذه الشراكة إلى مرحلة جديدة.
إن القمة العربية- الصينية ستعزز العلاقات الاستراتيجية بين العالم العربي والصين، والذي من شأنه أن يسهم في بروز عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن السياسات الأحادية ومساعي الهيمنة وبناء نظام اقتصادي دولي جديد وأكثر توازنا.
الجزائر وعلى لسان الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان، قالت خلال القمة إن “هنالك رغبة مشتركة للجزائر والصين في خدمة وتعزيز التعاون الشامل والمثمر بين العالم العربي وجمهورية الصين الشعبية”، ما هي الخطوات التي سيمضي فيها البلدان؟
تتحمل كل من الصين والجزائر مسؤولية تعزيز السلام والتنمية للعالم العربي.
وتُعتبر الجزائر الدولة العربية الأولى التي أقامت شراكة إستراتيجية شاملة مع الصين، ويلعب تطوير الشراكة الإستراتيجية الشاملة الصينية الجزائرية دورا هاما في ترقية الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية وبناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك نحو العصر الجديد.
على الصعيد السياسي، تتمتع الصين والجزائر بصداقة تقليدية وثقة متبادلة عالية. وفي مواجهة التغيرات غير المسبوقة منذ مائة سنة، ستعمل الصين والجزائر على تعميق التعاون الاستراتيجي واستغلال استقرار العلاقات الثنائية لتعزيز الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية وبناء مجتمع المستقبل المشترك بشكل فعال.
على الصعيد الاقتصادي والتجاري، تُعد الجزائر دولة مهمة في بناء الحزام والطريق بشكل مشترك، وتم توقيع من الجانبين على الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق قبيل انعقاد القمة الصينية العربية الأولى. سيعزز الجانب الصيني تعاون البنى التحتية، ويوسع حجم التبادل التجاري والواردات من الجزائر، ويدفع الاستثمارات ونقل التكنولوجيا للجزائر، مما سيدفع تعزيز البناء المشترك للحزام والطريق بجودة عالية بين الصين والدول العربية.
على صعيد الحوكمة العالمية، تدعو كل من الصين والجزائر إلى حلول سلمية للقضايا الساخنة الإقليمية والدولية، وتضعان حماية العدل والإنصاف الدوليين والمصالح المشتركة للدول النامية على عاتقيهما. ستعمل الصين والجزائر سويا على الدفع بإيجاد حل مناسب ومبكر للقضية الفلسطينية العادلة، ودفع تسوية القضايا العربية بالحكمة العربية.
عقد الحزب الشيوعي الصيني المؤتمر الوطني الـ20 بنجاح مؤخرا، حيث تم وضع الخطط والترتيبات الإستراتيجية للتنمية في السنوات الخمس المقبلة حتى فترة زمنية أطول.
في مسار إنشاء نمط تنموي جديد تتخذ الدورة الاقتصادية الكبرى المحلية قواما له ويتميز بالتعزيز المتبادل بين الدورتين الاقتصاديتين المحلية والدولية، تستعد الصين للعمل مع الدول العربية بما فيها الجزائر على إبراز المزايا التكميلية وتشجيع الابتكار المستقل وتعزيز متانة سلاسل الصناعة والإمداد، بما يحقق تنمية عالية الجودة بشكل مشترك.
الجزائر والصين وقعتا اتفاقية تعاون استراتيجي شامل وأخرى لتنفيذ مبادرة “الحزام والطريق”، ما هي المشاريع التي ستجسد في الجزائر في إطار هذه المبادرة؟
تخطط “الخطة الخماسية للتعاون الاستراتيجي الشامل بين الصين والجزائر للسنوات 2022-2026” مشاريع تعاون في كافة المجالات بما فيها السياسة والقضاء والشؤون القنصلية، والاقتصاد والتكنولوجيا والطيران الفضائي والتبادل الثقافي والتعاون العسكري وأمن إنفاذ القانون.
وتحدد “الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق” بوضوح تعميق التعاون بين البلدين في مجالات البنى التحتية للنقل والاستثمار التجاري والتنمية الصناعية والتدريب المهني وصناعة التكنولوجيا المعلوماتية والزراعة والغابات والمياه وحفظ الطاقة وحماية البيئة والرعاية الطبية والصحية والتبادل الثقافي..
كما تم توقيع الجانبين على “الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات الهامة 2022-2024”.
في السنوات الثلاث أو السنوات الخمس المقبلة حتى فترة زمنية أطول، سيجري الجانبان الصيني والجزائري تعاونا بشكل إيجابي في المشاريع المذكورة أعلاه على أساس مبدأ التعاون “رابح-رابح”، بما يحقق إنجازات جديدة أكبر لعلاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين.
الصين من أكبر شركاء الجزائر، لكن الملاحظ أن الشراكة بقيت محصورة في الجانب التجاري والمنشآت، ولم نلحظ استثمارات منتجة خلاقة للثروة في الجزائر؟ هل سيكون لبكين حضور في هذا الجانب؟
قد تكون إنجازات التعاون بين الصين والجزائر في مجال البنى التحتية بارزة للغاية حتى ولم يلاحظ الجميع أن الصين هي أيضًا مصدر الاستثمار المهم للجزائر. وتتركز استثمارات الجانب الصيني أغلبها في مجالات النفط والغاز والمناجم ومواد البناء والعقارات.. إلخ، أما الاستثمارات الأخرى فمن مؤسسات خاصة.
على سبيل المثال، تستثمر الشركات الصينية في مشاريع حقل زرزاتين، والفوسفات، والمركز الصيني باب الزوار (ORIENTAL BUSINESS PARK)، ومصنع الإسمنتASEC .. الخ، الأمر الذي قدم مساهمات إيجابية في تطوير الإنتاج وخلق فرص العمل في الجزائر.
تؤكد الصين والجزائر أن الاستثمار والتعاون الاقتصادي والتجاري بين المؤسسات هو القوام الأساسي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، والصين على استعداد لتعزيز تشجيع الشركات الصينية ذات القدرة والسمعة الطيبة للاستثمار في الجزائر.
في الوقت نفسه، واجهت الشركات الصينية بعض الصعوبات في مجال الاستثمار في الجزائر، مثلا، واجهت شركة ABCI وشركة الإسمنت ASEC بعض النزاعات القانونية مؤخرًا التي تتعلق بشأن مشاريعهما الاستثمارية في الجزائر، وإن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع الجانب الجزائري لحلها بشكل مناسب وجيد من خلال المشاورات الودية، كما أنه مستعد لدعم الجانب الجزائري بقوة في تنفيذ قانون الاستثمار الجديد لخلق مناخ أعمال أكثر إيجابية وودية بشكل مشترك، وجذب الشركات الصينية أكثر للاستثمار في الجزائر.
الحكومة أصدرت دفتر شروط جديد لتصنيع السيارات، هل الشركات الصينية مهتمة بهذا الجانب؟ وكيف تنظرون إلى مناخ الاستثمار في الجزائر؟
العديد من شركات السيارات الصينية تتعاون تجاريا مع الجانب الجزائري. وتتابع الشركات الصينية بشكل وثيق التعديلات الجديدة لسياسات الحكومة الجزائرية بشأن صناعة السيارات، وتأمل العديد من الشركات الصينية، بما فيها شركة Yutong Bus وشركةShaanxi Automobile ، في إجراء التعاون مع الجانب الجزائري.
يوفر قانون الاستثمار الجديد الجزائري إطارًا سياسيًا مستقرًا ومزيدًا من التسهيلات، مما يعكس عزيمة وشجاعة الجانب الجزائري على توسيع الانفتاح وجذب الاستثمار الأجنبي.
وأثبتت تجربة سياسة الإصلاح والانفتاح للصين لأكثر من 40 عامًا أنه لا يستطيع جذب المزيد من الشركات الأجنبية لتعزيز التعاون الاستثماري في الجزائر إلا عن طريق تحسين مناخ الأعمال والاستثمار بشكل مستمر، والحفاظ على استمرارية واستقرار السياسات، وحماية الحقوق والمصالح المشروعة للشركات الأجنبية بشكل فعال.
نص الحوار كاملًا من هنا