بقلم: لوكاس فيالا
كالعادة، وُضعت رحلة شي جين بينغ الحالية إلى المملكة العربية السعودية في إطار تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين. وقد دار عدد من الأخبار التي تداولتها العديد من الصحف هذا الأسبوع حول تحدي الصين المتصاعد لسيادة الولايات المتحدة على منطقة الشرق الأوسط، وما يعكسه ذلك من رغبة الصين في منافسة الولايات المتحدة على مكانتها في المنطقة، بل ربما إزاحتها واحتلال مكانتها كليًا.
لكن كثيرًا من المحللين المهتمين بشؤون الشرق الأوسط الذين يقرؤون ما بين السطور يرون أن النشاط الصيني يمتد إلى ما هو أبعد من النشاط الجيوسياسي، وعلى سبيل المثال: سألنا ثلاثة من الخبراء البارزين على منصة الرأي “تشاينا ديالوجز”، عما إذا كان نفوذ الصين المتنامي في المنطقة في طريقه إلى أن يصبح بديلًا لنفوذ الولايات المتحدة، فأجابوا في وضوح تام: لا؛ فالصين لا تسعى إلى أن تحل محل الولايات المتحدة، أو تكون “أمريكا القادمة” في الشرق الأوسط.
لا شك أن الصين قد حققت تقدمًا ملحوظًا في التودد إلى حكومات المنطقة لمواءمة استراتيجياتهم التنموية مع الأهداف الصينية، وهو ما حقق مكاسب دبلوماسية لبكين انعكست على دعم قضايا شائكة مثل قضية إقليم شينجيانغ. مع ذلك، وعلى وجه العموم، لم تسعَ الصين إلى اقتلاع جذور واشنطن الراسخة في المنطقة واحتلال مكانتها، وما كانت لتستطيع.
وبغض النظر عما إذا كنت تعتقد هذا الرأي أو ذاك، ثمة اتفاق عام ينبغي الوصول إليه بشأن النفوذ الصيني وما يُسمى تحول السيطرة، سواءً أكان ذلك في منطقة الشرق الأوسط أم في أي مكان آخر، ويتمحور هذا الاتفاق حول مفهوم النفوذ والسيطرة وقياسهما، وهو التحدي الأكبر الذي لطالما واجهته بحوث العلاقات الدولية. ولطالما حفلت الجهود الحثيثة المبذولة لفهم الكيفية التي تستطيع بها الدول – لا سيما الصين – تشكيل البيئة الدولية لصالحها بالمبالغة والتهوين التي تصلح لعناوين الأخبار لكنها خاوية متى تناولناها من كثب. وحسبما ورد في أحد الكتب المميزة التي لا تزال وثيقة الصلة بالواقع والذي حررته الباحثة “إفيلين جوه”: حتى في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث يمكن القول أن الصين “تلعب في أرضها”، لا يمكن فهم طبيعة النفوذ الصيني بطريقة مباشرة.
إحدى النتائج الرئيسية لهذه الدارسات أن النفوذ المكتسب من القوة المادية مثل حجم القوة العسكرية أو الاقتصادية لدولة ما لا يعني بالضرورة القدرة على التأثير في اختيارات دول أخرى وسياستها. وقد رأى كلٌ من “لينوس هاغستورم” و”بيورن جيردين” من قبل أن الحديث عن قوة الصين يُقصد به غالبًا قدرتها على إحداث أثر قوي. في الواقع، لا تعتمد قدرة الصين -أو عدم قدرتها- على التأثير في سياسات الحكومات الأخرى على الحنكة السياسية الصينية وحسب، بل تعتمد أيضًا على السياسات المحلية وعمليات صناعة القرار في الدول النظيرة، إلى جانب عوامل أخرى.
قد يبدو التعامل مع هذه القضية سهلًا، لكنه ليس كذلك على الإطلاق؛ فقد لفت الإصدار الحديث من تقرير المؤشر الصيني الذي صدر هذا الأسبوع، والذي تعده مؤسسة “دبلثنكنج لاب” بالتعاون مع شبكة عالمية من المراقبين المهتمين بالشأن الصيني، لفت التقرير الانتباه إلى التعقيدات المحيطة بفهم النفوذ الصيني العالمي المتنامي. ويهدف التقرير إلى قياس النفوذ الصيني في عدد من البلدان، وذلك في عدة مجالات، مثل: الأوساط الأكاديمية، الإعلام، السياسية الخارجية، الاقتصاد، السياسات المحلية.
وكالعادة مع قواعد البيانات العالمية في هذه المسائل، ثمة جدل حول ما إذا كان ترتيب الدول أكثر دلالة على تسييس المسألة من دلالته على تقديم رؤىً حقيقته بشأن الكيفية التي تؤثر بها الجهات الصينية في صناعة القرار في الدول الأجنبية النظيرة، لكن بعض هذه الانتقادات غير عادلة. على أي حال، فقد تضمن المؤشر الصيني شرحًا مطولًا للمنهجية المستخدمة، ونصَّ صراحة على كيفية قياس هذا النفوذ. ومن الجهود المحمودة في مثل هذا التقرير أن يشارك في إعداده مجموعة عالمية حقيقية من الباحثين والمحللين؛ إذ غالبًا ما كانت المناقشات حول الشأن الصيني أحادية الجانب.
لكن هذه الجهود جميعها إنما تشهد بمدى الصعوبة التي يواجهها الباحثون لإجراء عملية شاملة وصحيحة مفاهيميًا لقياس مستوى السيطرة والنفوذ الصيني، أضف إلى ذلك زيادة تلك الصعوبة كلما اتسع نطاق الدول والمناطق المشمولة بالبحث.
والآن لنأخذ مجال الإعلام مثالًا. يندرج الإعلام تحت مؤشر فرعي لقياس تأثير “المنافذ الإعلامية التي تمولها الحكومة الصينية والتي تقدم محتوى زهيد الثمن أو مجانيًا”. قيمت الإجابات أثر هذه الأنشطة بدءًا من “لا يوجد” (0) إلى “محدود وكبير”،
حتى ولو حصلت إحدى البلدان على درجة 4 على هذا المؤشر الفرعي، فالرقم في حد ذاته لا يدل على مقدار تأثير الإعلام الصيني في السياسات الفعلية أو النقاشات العامة حول الصين في البلد المعني، وبدلًا من ذلك فإنه يقيِّم مستوى التعرض لأنشطة الكيانات التابعة للصين أو الخاضعة لسيطرتها.
يتناول التقرير هذه المسائل بطريقة نقدية في قسم المنهجية. بعض المؤشرات الفرعية سألت عن مقدار الضغط التي تستطيع الصين استخدامه وأثره المستقبلي، لكنها تظل أمثلة على مقدار الدقة اللازم لإجراء تقييم واضح لتأثير الأنشطة الصينية العالمية.
بناءً على ذلك، وفي سياق زيارة شي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، فعلينا تحري الدقة بشأن من الذي يؤثر وما مدى تأثيره.
وأخيرًا، ينبغي تحديد آلية واضحة لتفسير الكيفية التي تحقق بها الصين النتائج المنشودة في نطاق سياسة معينة، وأن يكون ذلك مطلبًا أساسيًا سابقًا لأي نقاش حول التحول في الموقف الصيني الكلي بشأن الشرق الأوسط أو غيره من المناطق، على الرغم مما قد يثيره هذا من شك في النزاهة الأكاديمية التامة.
لوكاس فيالا: منسق مشروع التوقعات الصينية بمركز إل إس إي آيدياز