اتبع CAP على وسائل التواصل الاجتماعي

استمع إلى البودكاست الخاص بـ CAP

خبير عسكري يثير قضية شائكة: دور أفريقيا في توسع الصين العسكري عالميًا

صورة ملف لقاعدة بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في جيبوتي. صور STR / وكالة فرانس بريس / Getty Images

تسببت تصريحات الأدميرال جون أكويلينو، رئيس القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، في ازدياد القلق المتصاعد في الدوائر العسكرية في واشنطن العاصمة بشأن التوسع العسكري للصين. 

فقد صرح أكويلينو في حديثه أمام اللجنة الفرعية لاعتمادات الدفاع بمجلس النواب أن الصين تعزز من قدراتها للاستيلاء على تايوان، قائلًا: “تسعى الصين أيضًا إلى إنشاء شبكة من المنشآت العسكرية التي من شأنها توسيع نطاق نفوذها، وهو ما سيتيح تقديم الدعم لجيش التحرير الشعبي الذي تزداد قدرته العسكرية عالميًا بما يتجاوز منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.

كثيرًا ما يُشار إلى أفريقيا بأنها أحد المواقع المحتملة لإنشاء المزيد من القواعد العسكرية الصينية، فما مدى صحة هذه الادعاءات؟ أجرى مشروع أخبار الصين وأفريقيا حوارًا مع بول نانتوليا، الباحث المشارك في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، حول تقريره البحثي الجديد الذي يتناول هذه القضية:

كوبوس فان ستادن: كيف استخدمت الصين عملياتها لمكافحة القرصنة قبالة الساحل الأفريقي لاختبار أسلحتها ومنصاتها الجديدة؟

بول نانتوليا: توفر مهام مكافحة القرصنة التي تقوم بها بحرية جيش التحرير الشعبي في خليج عدن، ومؤخرًا خليج غينيا، مقياسًا لاختبار أداء الصين في “العمليات البحرية العالمية” التي تمثل ركيزة محورية للتوجيهات الدفاعية الاستراتيجية الصينية منذ عام 1995. ثانيًا، تعطي هذه العمليات مؤشرات واضحة على طموح الصين إلى تحويل بحرية جيش التحرير الشعبي من قوة ساحلية مساعدة للقوات البرية، إلى قوة بحرية قادرة على فرض سيطرتها واستخدام قوتها عالميًا لدعم مصالح الصين التوسعية فيما وراء البحار. وأخيرًا، فإنها مؤشر على التحول الاستراتيجي من الوضع الدفاعي المرتكز على اليابسة إلى الاعتقاد بأن المجال البحري هو منبع التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه الأمن الوطني الصيني.

وعلى مدار العقود الأربعة الماضية تقريبًا، شهدت الصين تحديثًا لقدراتها العسكرية وتدريبات متقدمة للأفراد وتطويرًا في العقيدة العسكرية نفسها، وذلك في سبيل دعم أهدافها الكبرى. غير أن هذه الجهود كانت تفتقر إلى شيء واحد، ألا وهو الخبرة القتالية منذ مغامرة جيش التحرير الشعبي في فيتنام عام 1979. وقد استحدثت المؤسسة العسكرية الصينية مفهومًا يُسمى “التدريب تحت الظروف الواقعية” لتعويض هذا النقص الرئيسي، لكن تبين أنه من الصعب إيجاد مكان خارج الصين لإجراء “التدريب الواقعي” إلى جانب تطوير وصقل القدرات اللازمة لتحسين الجاهزية العسكرية.

لا شك أن غرب المحيط الهادئ بؤرة ساخنة، وأي شيء تفعله الصين في هذه المياه، سواء أكان تدريبات عسكرية، أم اختبار أسلحة، أم تدشين منصات بحرية وجوية جديدة، سيزيد من حدة الموقف على الفور نظرًا للعدد الهائل من مطالب الصين الإقليمية البحرية المتشابكة ضد دول الجوار، إضافة إلى الوضع المتفجر في تايوان، والجزر الاصطناعية التي تقوم الصين بإنشائها في مناطق بحرية متنازع عليها في بحر الصيني الجنوبي. 

ولقد أكدتُ لعدة سنوات على أن أفريقيا تمثل بيئة مناسبة خارج منطقة غرب المحيط الهادئ لتدريب الجنود الصينيين تحت “ظروف واقعية”، ولاختبار بعض القدرات العسكرية المتقدمة لجيش التحرير الشعبي؛ فالمياه الأفريقية ليست على القدر نفسه من الحساسية السياسية كغرب المحيط الهادئ، كما تحظى الصين بدعم في أفريقيا أكبر مما تحظى به في أية قارة أخرى.   

لا شك أن هذه الاعتبارات ساهمت في القرار الذي اتخذته القيادة الصينية عام 2008 بشأن نشر بحرية جيش التحرير الشعبي وغيرها من القوات للمشاركة في مهام مكافحة القرصنة قبالة السواحل الأفريقية، وهو ما يمثل أول انتشار للقوات الصينية فيما وراء البحار خارج نطاق غرب المحيط الهادئ. وقد استخدمت الصين هذه العمليات لتجربة أنظمة أسلحة مختلفة ومنصات مختلفة وإدخال ما يلزم من تحسينات عليها. وقد نفذت هذا بعدة طرق، أولها: كما أوضح التقرير الأخير، نشرت الصين معداتها الأحدث فقط في هذه المهام. على سبيل المثال، خلال الانتشار الأول الذي بدأ في 26 ديسمبر 2008، نشرت بحرية جيش التحرير الشعبي أحدث سفنها المقاتلة المحلية المجهزة بأحدث الصواريخ المضادة للسفن، وأنظمة صواريخ أرض جو، والطوربيدات، وأنظمة الاستشعار.

ومنذ عام 2012، ظهر نمط جديد يدعم هذا الاستنتاج، ألا وهو أن كل السفن المقاتلة التي نشرتها الصين في المياه الأفريقية كانت قد دخلت الخدمة قبل بضع سنوات. في الواقع، فإن السفن الحربية الفرقاطة من طراز “جيانجكاي”والمدمرات من طراز “لويانج”المشار إليها في التقرير قد ظهرت لأول مرة في خليج عدن عام 2012؛ أي بعد أربع سنوات تقريبًا من دخولها الخدمة. بعد ذلك، بدأت نسخ متقدمة من هذه الطرازات المقاتلة، مثل “جيانجكاي 2” و”لويانج 2″، تظهر لأول مرة في البحار الأفريقية. في عام 2014، تقدمت بحرية جيش التحرير الشعبي خطوة أخرى من خلال نشر الغواصة النووية من طراز “شانج”بصحبة أسطولها الثامن عشر في أفريقيا في المحيط الهندي، وهو ما أثار دهشة المراقبين؛ إذ إن هذه الغواصات ليست مناسبة للتعامل مع القرصنة، أو أي عمليات أخرى غير حربية، مثل إجلاء المدنيين أو المساعدات الإنسانية أو الدبلوماسية العسكرية.

ثانيًا، أنتجت الصين كميات كبيرة من المنصات الرئيسية التي كانت السمة المميزة لمهامها لمكافحة القرصنة في السواحل الأفريقية. فمثلًا، ما بين أسطولي عامي 2013 و2016، أنتجت الصين ست سفن إمداد جديدة من طراز “فوتشي” لسد العجز المستمر في تلك المنصات، والتغلب على المشكلات المصاحبة لهذا العجز، مثل توفير الغذاء الطازج والماء النقي للبحارة، وتعويض النقص في المرافق والقواعد البحرية في المياه الدولية التي يمكنها أداء هذا الدور.

أخيرًا، بعدما اكتسبت بحرية جيش التحرير الشعبي وقواته الأخرى المزيد من الخبرة، أصبحت مهماته في عرض البحر أطول وأكثر تعقيدًا. فقد استمر الانتشار الأول عام 2008 لمدة 124 يومًا. وبحلول عام 2012، صارت القوات الصينية المكلفة بمهام مكافحة القرصنة تقضي في عرض البحر مدة تصل إلى 190 يومًا. وجدير بالذكر، وفقًا لما ورد في التقرير، أن تلك القوات أصبحت تنفذ أنشطة أخرى، مثل زيارات الموانئ، والمناورات البحرية، والتدريب العسكري في عرض البحر، وإجلاء المدنيين. كما جاء افتتاح جيش التحرير الشعبي أولى قواعده البحرية فيما وراء البحار في جيبوتي عام 2017 بمثابة خطوة أخرى من جانب الصين في مسيرة “العمليات البحرية العالمية”.

كوبوس: ما المعايير الرئيسية التي يركز عليها جيش التحرير الشعبي عند اختيار القواعد المحتملة؟ وما البلدان الأفريقية التي تفي بهذه المعايير؟

بول: للأسف، ليس لدى الباحثين في شؤون جيش التحرير الشعبي ما يكفي من البيانات لاستخلاص دليل ملموس في هذا الشأن؛ إذ إن الصين لم تنشئ إلا قاعدة واحدة فيما وراء البحار حتى هذه اللحظة. غير أنه بحسب التقرير ثمة بعض المؤشرات التي يمكن دراستها بعناية وعلى مدار نطاق زمني طويل بناءً على الكتابات العسكرية الصينية المرجعية، وتطور التوجيهات السياسية والأنماط السلوكية الصينية، وعناصر رئيسية أخرى توفر دلالات منطقية فيما يتعلق بكيفية ترتيب الصين أولوياتها. ويقدم التقرير ثلاثة مؤشرات عامة لتكون نقطة بداية لوضع إطار لأسلوب التفكير بشأن جيش التحرير الشعبي والاستراتيجية التي يتبعها لعقد شراكاته.

المؤشر الأول هو أن الصين على الأرجح تختار التعاون مع البلدان التي تحتل ترتيبًا متقدمًا في نظامها لترتيب أولويات الشراكة؛ وهو نظام تضعه الصين لترتيب البلدان حسب أهميتها الاستراتيجية. ووفقًا للتصريحات الرسمية، فإن ترتيب الفئات في أفريقيا من الأعلى أهمية إلى الأقل أهمية هو: “شراكة تعاونية استراتيجية شاملة”، و”شراكة استراتيجية شاملة” و”شراكة استراتيجية” و”علاقات ودية مع شريك متعاون” و”شراكة غير استراتيجية”. غير أنه لا توجد وثيقة واحدة تنص على هذه التصنيفات بوضوح، ودائمًا ما تتعرض هذه المصطلحات للتغيير، لكن سجل التصريحات الصحفية الصينية يبين أن 25 دولة أفريقية تندرج ضمن الفئات الخمس المذكورة.

وحسبما ورد في التقرير، فإن الدول التسع عشرة الأعلى ترتيبًا هي: إثيوبيا، وغينيا، وكينيا، وموزمبيق، وناميبيا، والسنغال، وتنزانيا، وزمبابوي في الفئة الأعلى، يليها الجزائر، ومصر، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا في المستوى الثاني، ثم أنجولا، وبتسوانا، وجيبوتي، والسودان، وسيشل، وموريشيوس، وزامبيا.  

لكن ثمة تنبيه هنا، فهذه القائمة لا تعني أن الصين ستبدأ فجأة في إنشاء 19 قاعدة في مختلف أنحاء أفريقيا، لكنها تعني أن الصين لديها مجموعة كبيرة من الخيارات التي تستوفي معاييرها استنادًا إلى الأدلة التجريبية، وسجل السلوكيات الصينية، والكتابات الصينية المرجعية، والتي سلط التقرير الضوء على بعضها.

وإذا نظرنا عن كثب إلى هذه البلدان فسنجدها، باستثناء أربعة منها، دولًا بحرية، وهو لا شك معيار رئيسي لأي مخطط بشأن إنشاء قاعدة صينية مستقبلية. وسنجد أيضًا أن الخمسة وعشرين دولة التي تعدها الصين شريكًا استراتيجيًا تستضيف استثمارات صينية رئيسية في الموانئ وغيرها من البنية التحتية الهامة، وأن هذه الدول شريك رئيسي في “مبادرة الحزام والطريق”. وهذا أمر مهم، لأن الاستراتيجية الأمنية الصينية فيما وراء البحار ترتبط بتأمين وتوسيع نطاق الحزام والطريق، الذي يمر في أفريقيا من خلال الممرات البحرية.

المؤشر الثاني هو مدى قوة التقارب الأيديولوجي. رغم تعاون جيش التحرير الشعبي وسعيه إلى تنمية علاقاته الشاملة مع شركائه المختلفين، فإنه يفضل بناء علاقات عسكرية أقوى مع الدول التي تحكمها حركات تحرير وطنية، يليها الدول التي لدى الحزب الشيوعي الصيني علاقات وثيقة استثنائية مع أحزابها السياسية، بغض النظر عن أنظمتها السياسية، إذ توفر تلك العلاقات الحزبية للصين المعرفة والموثوقية والقدرة على التنبؤ التي يمكن الاستناد إليها في بناء علاقات ترتكز على الأهداف الاستراتيجية. في الواقع، جميع الدول الأفريقية التي تحكمها حركات التحرير الوطنية تندرج في فئات الشراكات التي حددتها الصين. وكذلك الدول التي لا تنتمي حكوماتها إلى هذه الأصول، لكن الحزب الشيوعي أقام علاقات قوية مع أحزابها، لديها ارتباطات استراتيجية محددة مع الصين وستكون ضمن الدول الخمس وعشرين المختارة، وهذا يشمل الدول التسع عشرة الأعلى ترتيبًا التي ذكرناها سابقًا.  

ثالثًا، يتمتع شركاء الصين الأكثر أهمية في أفريقيا بنفوذ هائل في مناطقهم وفي دول الاتحاد الأفريقي. وهنا يتبادر إلى الذهن كل من الجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، التي تندرج جميعًا في القائمة المختارة. وترسل الصين الدبلوماسيين الأعلى مستوى للعمل في عواصم تلك البلدان، وهو ما يتضح من مكانتهم في النظام الدبلوماسي الصيني. على سبيل المثال، سفراء الصين لدى إثيوبيا ومصر وجنوب أفريقيا على درجة مدير عام، وسفيرها لدى الاتحاد الأفريقي على درجة نائب وزير، وهي نفس درجة نظيره في واشنطن.

تضطلع تلك المجموعة الصغيرة من البلدان بأدوار رئيسية في تشكيل مشهد الأمن الأفريقي. فالجزائر تشغل منصب مفوض الاتحاد الأفريقي لشؤون السلم والأمن منذ إنشائه، في حين تسيطر كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا على الأجهزة الإدارية والسياسية وأجهزة حفظ السلام بالاتحاد. وبصورة أعم، فالدول التسع عشرة من ضمن أكثر الدول مشاركة في قوات حفظ السلام في العالم، وهو أحد المعايير الرئيسية نظرًا لأن الصين تفضل ربط مشاركتها العسكرية، وكذلك استراتيجية إقامة القواعد، باتفاقيات متعددة الأطراف. بالإضافة إلى ذلك، تملك هذه الدول من النفوذ ما يمكّنها من حشد دول القارة لدعم جهود الأمن الصينية، وعلى الأرجح ستلعب دورًا في قرارات إنشاء القواعد الصينية المستقبلية.   

كوبوس: استنادًا إلى الأبحاث التي أجريتها، ما قولك بشأن الشائعات الأخيرة حول خطة الصين لإقامة قاعدة في منطقة المحيط الأطلنطي. وما مقدار الأهمية التي تحظى بها منطقة المحيط الأطلنطي في التفكير الاستراتيجي الصيني العام؟

بول: لا تحظى منطقة المحيط الأطلنطي بأهمية كبيرة في التفكير الاستراتيجي الصيني، ولا وفي وسائل الإعلام الرسمية، مثل صحيفة “بيبولز أرمي ديلي، وهي صوت المؤسسة العسكرية، ودورية “كيوشي”، التي تتحدث بلسان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، و صحيفة “بيبولز ديلي”، وهي الوسيلة الرئيسية لإعلان مواقف الصين بشأن العلاقات الدولية. ومنذ عام 2008 على الأقل، لم أقابل أي حديث جاد بشأن منطقة المحيط الأطلنطي في أي من هذه الوسائل الإعلامية، أو المجلات العسكرية الرسمية التابعة لفروع جيش التحرير الشعبي، وأكاديمية العلوم العسكرية، أكبر معهد للأبحاث العسكرية في الصين.

جميع البلدان التي جاء ذكرها في النقاشات الصينية بشأن إنشاء القواعد العسكرية تقع في منطقة المحيط الهندي، ومنها كينيا وتنزانيا وسيشيل وجيبوتي كما هو مبين في التقرير. أما ناميبيا، التي يتوفر فيها جميع المعايير المذكورة أعلاه وتحتضن واحدًا من أهم الموانئ الأفريقية التي بنتها الشركات الصينية، فكانت محورًا للكثير والكثير من التكهنات المحلية بشأن احتمالية عقد شراكة معها لإنشاء قاعدة عسكرية بها. ومع ذلك، لم يرد ذكر أي شيء بهذا الصدد في الكتابات العسكرية الصينية.

ثمة مدخل آخر لفهم عقلية الصين فيما يتعلق بالتوسع البحري وهو كتاب “علم الاستراتيجية العسكرية” Science of Military Strategy، وهو المرجع الأعلى للعقيدة العسكرية الصينية والذي يجري تحديثه بانتظام (صدرت النسخة الرابعة منه في عام 2020)، ويتناول الحديث عن “استراتيجية المحيطين” التي تتمحور حول المحيط الهادئ والمحيط الهندي. كما يتناول أيضًا أهمية بناء “نقاط بحرية استراتيجية حصينة”، وهو مصطلح فني تستخدمه بحرية جيش التحرير الشعبي لوصف القواعد العسكرية المخصصة، أو المرافق اللوجستية العسكرية، أو البنية التحتية المدنية التي يمكن استخدامها للأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء.

ليس لدينا حتى الآن دليل ملموس على تراجع جيش التحرير الشعبي عن “استراتيجية المحيطين” الهادئ والهندي، على الأقل كما يتبدى لنا في الكتابات العسكرية الرسمية. أما المصطلح الفني الآخر الذي ظهر بشكل كبير في الكتابات العسكرية الصينية منذ منتصف التسعينيات فهو “معضلة مضيق ملقا”، والذي يسعى إلى إيجاد حل لإحدى المشكلات الملحة، ألا وهي أن أكثر من 80 في المائة من واردات الصين من أفريقيا والشرق الأوسط تمر عبر مضيق ملقا، الذي قد يتعرض للإغلاق من قبل أعدائها مثل البحرية الأمريكية. ولكن حتى هذه المشكلة أيضًا تنحصر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وقد ركزت استراتيجيات التخفيف التي نوقشت في الكتابات العسكرية الصينية على بعض دول المحيط الهندي، مثل تنزانيا وكينيا. ومن ثمّ، تريد الصين تغيير مسار وارداتها بعيدًا عن مضيق ملقا، ويبدو أن ساحل المحيط الهندي في شرق أفريقيا وبحر العرب هما نقطة الانطلاق لتحقيق ذلك.  

وأخيرًا، جدير بالذكر أنه في حين يدق ناقوس الخطر بشأن جهود الصين الحقيقية أو المزعومة لإنشاء المزيد من القواعد العسكرية، لا يزال جيش التحرير الشعبي، بحسب التصريحات الصادرة عنه، متخلفًا بكثير عن منافسيه الغربيين فيما يتعلق بإنشاء القواعد العسكرية فيما وراء البحار، واللوجستيات العسكرية الدولية، وإبراز القوة والنفوذ. ولا شك أن معالجة هذه العقبات أمرٌ محوريٌ للمرحلة الأخيرة من برنامج التحديث العسكري الصيني الذي أطلقه شي جين بينغ عام 2013 ومن المتوقع أن يكتمل بحلول عام 2035.

وخير مثال على ذلك هو وحدة تدريب الجيش البريطاني في كينيا التي تمتد على آلاف الهكتارات في المنطقة القاحلة إلى شمال كينيا، والتي تتيح للمجموعات القتالية البريطانية استعراض قوتها استعدادًا للانتشار في منطقة الشرق الأوسط سنويًا. ولا يمكن للقوات البريطانية أن تتدرب على هذا النطاق في أي مكان آخر في العالم. ومن الصعب تحديد متى سيكون لدى جيش التحرير الشعبي فرصة كهذه، أو امتلاك شبكة قواعد متكاملة كتلك التي يمتلكها بعض منافسيه الآخرين في أفريقيا وحول العالم.

على أية حال، فإنني أرى أن الصين تتبع نهجًا متدرجًا ومنظمًا في كل ما تفعله، كما أنها تتعلم جيدًا مما يدور حولها وتطبق ما تتعلمه، كما أن النزعة التنافسية لديها شديدة القوة. في عام 2008، عندما بدأت أدرس القضايا العسكرية الصينية، اعتقد العديد من زملائي الباحثين في شؤون جيش التحرير الشعبي أن الصين لن تُقدِم يومًا على نشر حاملات الطائرات، أو تشغيل مجموعة حاملة طائرات هجومية، أو إنشاء قواعد عسكرية فيما وراء البحار، أو تتفوق على البحرية الأمريكية من حيث حجم الأسطول. وقد حققت الصين هذه الإنجازات الأربعة في غضون 14 عامًا من تلك المناقشات مع زملائي الباحثين في الشؤون الصينية. ومن ثمَّ، في حين أنه من المهم الاعتراف بأن الصين، وفقًا لتقديراتها الخاصة، لا يزال أمامها الكثير لتكون قادرة على إبراز قوتها التي طالما تحدثت عنها في كتاباتها، سيكون من الخطأ افتراض أنها ستظل متخلفة عن ركب منافسيها إلى أجل غير مسمى. على الأقل هذا ما يقوله جيش التحرير الشعبي للعالم الخارجي، والأهم من ذلك أن هذا هو ما تقوله مؤسسة جيش التحرير الشعبي لنفسها، وما يقوله شي جين بينغ لها.

بول نانتوليا هو باحث مشارك في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، متخصص في الحوكمة والوساطة، وعمليات السلام، وحفظ السلام، وشؤون شرق أفريقيا.