اتبع CAP على وسائل التواصل الاجتماعي

استمع إلى البودكاست الخاص بـ CAP

التأثير العالمي للمقاطعات الصينية: دليلٌ من واقع العلاقات الصينية الأفريقية

مقصورة جنوب أفريقيا في معرض الصين-أفريقيا الثاني للاقتصاد والتجارة، تشانغشا، عاصمة مقاطعة هونان، 27 سبتمبر 2022. (الصورة: وكالة أنباء شينخوا)

بقلم شارلوت لينز

منذ انطلاق استراتيجية “التوجه العالمي” الصينية في بدايات القرن الحادي والعشرين وقد تحولت المقاطعات الصينية إلى مجموعة من الأطراف الفاعلة المشاركة في مبادرات العلاقات الصينية مع دول الجنوب، وهو التحول الذي أربك تصورنا عن الصين أنها جبهة فاعلة موحدة.

حتى عندما كنا نتناول نظام الدولة الصينية تفصيليًا ظل تركيزنا منصبًا على دور الديناميات الوزارية المشتركة أو الشركات المملوكة للحكومة المركزية، دون الالتفات إلى حكومات المقاطعات ودورها في السياسات الدولية. ومع ذلك، فعند النظر إلى العلاقات الصينية الأفريقية من منظور العلاقات المركزية-المحلية سنكتشف أن المقاطعات الصينية تؤدي دورًا أساسيًا في صياغة سياسات الصين الخارجية الشاملة وتنفيذها.

على الرغم من السلطوية والمركزية التي يتسم بها نظام شي جين بينغ، ظلت مراكز القوة موزعة بصورة ما، وحظيت المقاطعات من ذلك بدور الوكالة في تنفيذ السياسة الخارجية، مع امتلاك بعض المصالح الخاصة، ودرجة من الاستقلالية، وإشراكها في صياغة سياسة الدولة، وذلك اعتمادًا على نوع نشاطها الاقتصادي. وهكذا، وعلى الرغم من سيطرة بكين على صياغة السياسات الخارجية والاستراتيجيات الصينية العالمية، سعت الجهات الفاعلة الثانوية إلى إعداد “استراتيجياتها الخاصة المزدوجة” التي تتيح لها تحقيق أهدافها من ناحية، والتأثير في السياسات والاستراتيجيات الشاملة للدولة من ناحية أخرى.

تشكل المقاطعات هيكل العلاقات الصينية الأفريقية باستخدام آليتين:

  1. إبرام اتفاقيات “توأمة” بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
  2. التكتل في عملية تدويل النشاط الاقتصادي إلى الأسواق الأفريقية.

أما اتفاقيات “التوأمة”، فهي نموذج للتعاون غير المركزي بين الجهات الفاعلة المركزية والمحلية. في إطار هذا التعاون يصمم المسؤولون المركزيون السياسات، في حين تنفذ حكومات المقاطعات المشروعات. وقد منحت اتفاقيات التوأمة بين المقاطعات الصينية (الجهات الفاعلة الحكومية الثانوية) والدول الأفريقية الصين ميزة كبرى تجلت في شكل تعاون طويل الأجل وأكثر كفاءة مع اكتساب معرفة أوسع بالظروف المحلية.

لنضرب مثلًا على هذا بالسياسة الصحية، فقد برهنت جائحة كورونا على فاعلية هذا النموذج؛ إذ أتاحت اتفاقيات التوأمة القائمة سرعة إيفاد الفرق الطبية الصينية، ما عزز بدوره دبلوماسية اللقاح الصينية. وقد حذت مراكز التنمية الفنية الزراعية حذو القطاع الصحي في تنفيذ مشروعات التنمية الزراعية.

وأما الآلية الثانية، ألا وهي التكتل، فتقوم على ركيزتين: المنطق القطاعي (تركيز الاستثمار في أحد القطاعات) على المستوى الاقتصادي، وعقد شراكات بين إحدى المقاطعات وأحد البلدان الأفريقية على المستوى الدبلوماسي. تتيح هذه الآلية كثيرًا من الفرص على مستوى المقاطعة وتحفز على المزيد من المشاركة في الدول المستهدفة. وتزيد الشركات المملوكة لحكومة المقاطعة من مستوى مشاركة المقاطعة، ما يزيد من تدفق الاستثمارات والهجرة ويوسع نطاق العلاقات الاقتصادية، ما يؤدي بدوره إلى تلبية المتطلبات السياسية المحلية، مثل: تحقيق الأهداف الاقتصادية والحد من البطالة. هكذا، تمارس المقاطعات أنشطتها الدولية، وقد فرضت هي توجهاتها على سياسات الحكومة المركزية واستغلتها في إعلاء قيمة أنشطتها السابقة وتيسير أنشطتها المستقبلية بدلًا من فرض توجهات هذه السياسات عليها.

وبالنظر إلى قطاع البناء في زامبيا نجده مثالًا على تكتل المقاطعات؛ إذ تمركزت الشركات الكبرى المملوكة لحكومة مقاطعة جيانغكسي استراتيجيًا هناك، ما مكنها من إبرام عقود فرعية مع الشركات الأصغر في المقاطعة وتسهيل دخولها إلى تلك السوق. ودعمت مقاطعة جيانغكسي من جانبها هذا “التكتل”، الذي أطلقت عليه القوى الموحدة العابرة للبحار؛ إذ رأت أن قطاع البناء يمثل العمود الفقري لتحقيق الأهداف المحلية، مثل: رفع معدلات التوظيف والنمو الاقتصادي.

شكلت آليتا التوأمة والتكتل أيضًا هيكل مبادرة الحزام والطريق، مشروع السياسة الخارجية الرائد لشي. فقد مارست حكومات المقاطعات والشركات الحكومية التابعة لها ضغوطها على صانعي القرار لتقنين الممارسات القائمة بما يتوافق مع مصالحها. وقد أتاح الغموض المحيط بمفهوم المبادرة الفرصة أمام السلطات المحلية لمناورة توجيهات الحكومة المركزية وتأويلها بما يخدم مصلحتها.

وفقًا لما سبق، ستواصل المقاطعات الصينية مشاركتها بدور محوري في تنفيذ المبادرات الصينية المعنية بالجنوب العالمي. ولا بد من فهم دور الوكالة الذي تتمتع به تلك المقاطعات، إلى جانب مصالحها التي تسعى إلى تحقيقها، وحدود صلاحياتها، حتى يمكن فهم التوسع الصيني العالمي المستمر بصورة أفضل.

شارلوت لينز، باحثة مشاركة في مشروع التوقعات الصينية، إل إس إي آيدياز