علق الأستاذ نيو شينتشون، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط التابع لمجمع معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، على رحلة بايدن الرئاسية الأولى إلى الشرق الأوسط في يوليو بأنها أسفرت عن “نتائج محرجة”.
اقتباسات:
“الشرق الأوسط ليس مدرجًا في جدول أعمال بايدن الدبلوماسية”. فالتحدي الدبلوماسي الأكثر إلحاحًا أمام إدارة بايدن هو تنافس القوى الكبرى، لا سيما الصراع بين أوكرانيا وروسيا، إلى جانب ما تعانيه الولايات المتحدة من ارتفاع جنوني في الأسعار واقتصادٍ على صفيح ساخن.
“لكن الولايات المتحدة ليست بمنأى عن ارتفاع أسعار النفط نتيجة الصراع الروسي الأوكراني، ما اضطر بايدن إلى القيام بزيارته تلك إلى الشرق الأوسط.
“لم يكن هذا كافيًا، فقد كان للانكماش الاستراتيجي كُلفته، وسرعان ما تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. وعلق جيفري كيمب، المدير الأول لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا بمجلس الأمن القومي خلال حكم ريجان، علق مؤخرًا: “لم أرَ الولايات المتحدة قط بمثل هذا التأثير الضعيف في منطقة الشرق الأوسط”.
“تظل الولايات المتحدة الدولة الأقوى، لكنها لم تعد القوة الكبرى الوحيدة التي تفرض سيطرتها على الشرق الأوسط وتخطط شؤونه، بل وتتولى أمره برمته.
“أما من الناحية الاقتصادية، فالاتحاد الأوروبي يحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط فيما يخص التجارة والاستثمار، تليه الصين، في حين تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة. وأما من الناحية العسكرية، فقد تجاوز النفوذ الروسي في سوريا وليبيا مثيله للولايات المتحدة، ما قضى على “الاحتكار” الأمريكي للمنطقة القائم منذ زمن طويل.
“يمكن وصف رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط بأنها زيارة “متململة متضجرة” قام بها رئيس أمريكي ضعيف في أسوأ وقت ممكن، وقد عكست تمامًا الانكماش الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة”.
“الشروق الأوسط للشرق أوسطيين”
“تحول الشرق الأوسط فعليًا إلى “شرق أوسط أمريكي” بعد الحرب الباردة وتزامنًا مع تبني الولايات المتحدة استراتيجية “التدخل المباشر الواسع النطاق”. لكن المنطقة تظهر انتقالًا استراتيجيًا منذ 2011، وحصلت العديد من الدول على استقلالها الاستراتيجي، مثل: المملكلة العربية السعودية وإيران وتركيا وإسرائيل وغيرها.
“نتيجة لذلك، تحول الشرق الأوسط الآن إلى منطقة “للشرق أوسطيين” فقط. وهذا بعينه ما دفع بايدن إلى محاولة إرجاع المنطقة إلى مدار أمريكا الاستراتيجي العالمي، لكنه – لسوء حظه – يسير عكس التيار السياسي المحلي.
“لطالما كانت إسرائيل الحليف الأمريكي الأكثر موثوقية في الشرق الأوسط ولطالما أُشير إليها بعبارة “حاملة الطائرة غير القابلة للغرق”، ولطالما كانت حماية أمن إسرائيل على رأس أوليات الولايات المتحدة.
“لكن إسراءيل تحتل الآن صدر المشهد السياسي في الشرق الأوسط وتتنامى قوتها العسكرية واستقلالها الدبلوماسي يومًا بعد يومًا. فعلى الصعيد الدبلوماسي، أقامت إسرائيل علاقات طبيعية مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، وتتقارب علنًا مع المملكة العربية السعودية فيما يخص احتواء إيران.
“وأما على الصعيد العسكري فقد شنت إسرائيل غارات جوية على فلسطين وإيران وسوريا والعراق ولبنان وغيرها من الدول، ونفذت عمليات عسكرية مشتركة مع مصر في شبه جزيرة سيناء.
“وعلى مستوى القضايا الإقليمية الساخنة، تُعتبر إسرائيل “رأس الحربة” في جهود الولايات المتحدة والدول الغربية لاحتواء إيران، و”طليعة” حصار تركيا، إلى جانب كونها عضوًا رئيسيًا في منتدى غاز شرق المتوسط.
“مع ذلك، تعارض إسرائيل صراحة معاودة الولايات المتحدة عقد اتفاق نووي مع إيران، وكثيرًا ما تشن “هجمات خفية” على إيران لتقوض المفاوضات الجارية في هذا الشأن… وقد أخفق بايدن في إيجاد حل لهذا التناقض الجوهري بين موقفي البلدين خلال زيارته لإسرائيل”.
“ظلت المملكة العربية السعودية أيضًا واحدة من أهم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط على مدار أكثر من 80 عامًا. وقد صرح الأمير فيصل عام 1963، ولي العهد آنذاك، صرح قائلًا “بعد الله، فثقتنا الأكبر بالولايات المتحدة”.
“ورغم ذلك، فحينما هوجمت مرافق النفط السعودية في سبتمبر 2019، أعلن ترامب قائلًا “كان هذا هجومًا على المملكة العربية السعودية وليس على أمريكا” لم يعد التحالف الأمريكي السعودي كسابق عهده، بل وصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها بعدما تولى بايدن الرئاسة.
“لم يقتصر الأمر على تقديم الولايات المتحدة “قضايا حقوق الإنسان” على غيرها من الأولويات في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية أو نعتها المملكة بوصف “الدولة المنبوذة”، بل رفض بايدن التحدث مباشرة مع ولي العهد إمعانًا في ازدرائه.
“لم يكن لدى بايدن مشكلة في مصافحة الرئيس محمود عباس أو رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو خلال اجتماعاتهم، أما مع ولى العهد السعودي فقد اكتفى بـ “مصافحة القبضة”
“لا يرغب السعوديون في الظهور بمظهر الضعفاء، بل على العكس أرادوا “الرد بالمثل” على الولايات المتحدة إثباتًا لاستقلالهم الاستراتيجي.
“احتج بايدن وناشد المملكة العربية السعودية مرارًا وتكرارًا زيادة إنتاجها من النفط بعد نشوب الصراع الروسي الأوكراني، ولكنه لم يجد آذانًا مصغية، ولم تتزحزح السعودية عن موقفها”.
“حلت محادثات السلام العربية الإسرائيلية محل المحادثات الفلسطينية الإسرائيلية”
بعدما أقامت الإمارات العربية المتحدة والبحرين علاقات طبيعية مع إسرائيل بموجب “الاتفاقات الإبراهيمية” التي وقعوها جميعًا في واشنطن في نهاية عام 2020، تحولت الولايات المتحدة جذريًا في نهجها نحو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فبدلًا من السعي إلى إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية الإسرائيلية أولًا ثم المشكلة العربية الإسرائيلية ثانيًا، انتقلت إلى أقصى الضد: المشكلة العربية أولًا والفلسطينية ثانيًا.
“لم تخلُ زيارة رئاسية أمريكية إلى فلسطين وإسرائيل خلال الـ 30 عامًا الماضية من دَفعة مشجعة لمحادثات السلام. بايدن هو الاستثناء الأول لهذه القاعدة، وربما كانت إدارته هي الإدارة الوحيدة في الذاكرة الحديثة التي لم تقترح خطة جديدة للمحادثات الفلسطينية الإسرائيلية.
” الحدث “الأبرز” في رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط كان مشاركته في قمة جدة للأمن والتنمية التي عُقدت في مدينة جدة الساحلية في 16 يوليو وحضرها قادة دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق. وقد كان من ضمن أهداف القمة تشجيع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية.
“لطالما كان التعاون العسكري بين إسرائيل والبلدان العربية موجودًا، لكنه خرج إلى العلن خلال السنوات الأخيرة بعدما زاد عدد الدول المتعاونة وتوسعت مجالات التعاون.
“وقد صرح غانتز، وزير الدفاع الإسرائيلي، بتاريخ 20 يونيو، أن إسرائيل في سبيلها إلى تشكيل “تحالف دفاع جوي شرق أوسطي” برعاية الولايات المتحدة، وقد تصدت طلائع هذا التحالف فعلًا لـ “محاولات هجومية” شنتها إيران.
“طالبت إسرائيل الولايات المتحدة بالإعلان عن تأسيس التحالف في القمة. ومن المقرر أن يندمج تحت لواء هذا التحالف كلٌ من القوات الأمريكية المتمركزة في الشرق الأوسط، وقاذفات الصواريخ وأنظمة الرادار والأقمار الاصطناعية وأنظمة الاستشعار الأرضية لدى الدول العربية وإسرائيل. وستتولى القيادة المركزية الأمريكية تنسيق نظام الدفاع الصاروخي الإقليمي المضاد لإيران.
“ما زال تحالف الدفاع الجوي الشرق أوسطي مجرد رؤية؛ إذ ما زال التعاون العربي الإسرائيلي على الصعيد الأمني يواجه عقبتين: العقبة الأولى أنه ليس من المحتمل عقد تحالف بين الدول العربية وإسرائيل ما لم تُحل القضية الفلسطينية، والثانية أن دول مجلس التعاون الخليجي منقسمة بشدة حول إيران؛ إذ ترفض قطر وسلطنة عمان والكويت أن تتخذ الموقف نفسه الذي تتخذه الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين.” (وورلد نولدج جورنال)