بقلم: هوجو جونز ولوكاس فيالا
على مدار ما يقرب من عامين، تمحورت دبلوماسية الصحة العامة التي تتبعها بكين حول استراتيجية البلاد في التعامل مع جائحة كوفيد-19، والتي حققت نجاحًا استثنائيًا في الحفاظ على معدل الإصابات الجديدة قريبًا من الصفر. إلا أنه على مدار الأشهر القليلة الماضية عادت المخاوف من أن استراتيجية “صفر-كوفيد” غير المستدامة قد تكون في الواقع قنبلةً موقوتة تعود للظهور مرة أخرى بعدما اجتاحت هونج كونج موجة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا والتي انتقلت بدورها إلى البر الرئيسي، مع زيادة هائلة في حالات الإصابة بالمتحور أوميكرون في شنغهاي.
وسرعان ما أصبحت شنغهاي خط الدفاع الأول في مساعي الصين للحفاظ على استراتيجية “صفر-كوفيد” التي تطبقها. وقد كتب بيبا مورجان، المقيم في شنغهاي، على منصة China Dialogues (تشاينا ديالوجز)، هذا الأسبوع “بعدما أٌغلقت فعليًا جميع المصانع والمتاجر أبوابها إذعانًا لقيود الإغلاق الصارمة، عانى سكان شنغهاي من أجل توفير السلع الأساسية، في ظل العيش في الخوف الشديد من إرسالهم إلى مراكز الحجز الصحي بالمدينة بمستشفى “فانجانج” إذا ما جاءت نتيجة فحصهم إيجابية”.
ومع كل تلك الأخبار القادمة من شنغهاي، ثمة سؤال يفرض نفسه: كيف ستؤثر كارثة كوفيد-19 على دبلوماسية اللقاح التي لا تدخر بكين جهدًا في الترويج لها، ودورها في ترسيخ مكانة الصين بصفتها رائدًا عالميًا في مجال الصحة العامة؟
قادت الصين خلال عامي 2020 و2021 عددًا من الشراكات الثنائية والمتعددة الأطراف في مجال الصحة العامة. وكان الهدف، على الأرجح، من تقديم الصين للاستشارات ومعدات الوقاية الشخصية واللقاحات للبلدان والمؤسسات الأخرى هو إظهار الصين بصورة الشريك الأمثل في مكافحة الوباء، وهو ما يدعم مكانة الصين بوصفها قوة كبرى مسؤولة وقادرة وراغبة في توفير سلع “الصحة” العامة للعالم.
وحسب تقديرات مؤسسة بريدج كونسولتنج للاستشارات، فقد قدمت الصين 1,57 مليار جرعة من لقاح “كورونافاك” أو “سينوفارم” إلى بلدان أخرى، أغلبها بيعًا وليس تبرعًا.
وفي منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) الذي عُقد في نوفمبر، كان توفير الصين للقاحات محور اهتمام كبير، إذ وعد شي جين بينغ بتقديم مليار جرعة لقاح للبلدان الأفريقية. وصرح وانج يي في داكار أن المساعدات الصينية من اللقاحات ستصل إلى أفريقيا “عبر الجبار والأنهار وبخطى أسرع من الفيروس نفسه”. وكذلك اعتمد كثير من دول أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا على اللقاحات الصينية.
وقد كان انخفاض كفاءة هذه اللقاحات مقارنة بلقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)، لا سيما عند تلقي جرعة واحدة فقط منها، أحد الأسباب وراء انتشار المتحور أوميكرون في شنغهاي. كما يبدو أن انخفاض معدلات التلقيح بين المسنين في المدينة عاملًا مهمًا في هذا الشأن.
ويظل من الصعب قياس شدة الانتشار نظرًا لعدم شفافية الصين فيما يتعلق بمعدل الوفيات، وهي معلومات مهمة للبلدان التي راهنت على فعالية اللقاحات الصينية.
وعلى أية حال، فقد وفرت اللقاحات التي قدمتها الصين لبلدان الجنوب العالمي حماية لا بأس بها، لا سيما من الوصول إلى مستوى الحالات الحرجة، عندما لم يكن هناك الكثير من البدائل المتاحة، ولا شك أنها أنقذت العديد من الأرواح أيضًا.
والحق أن الصين بعيدة عن وصفها بالدولة الكبرى الوحيدة التي لم تحسن التعامل مع الجائحة، غير أن الصين قد روّجت لإدارتها لجائحة كورونا سابقًا بأنها استثنائية، وهي دعاية تتهاوى يومًا بعد يومٍ، وربما تكون السمعة الطيبة التي اكتسبتها الصين بفضل دبلوماسية توفير اللقاحات قد تراجعت الآن أيضًا.
غالبًا ما يُدَّعى أن التحول الهائل إلى العالمية الذي شهدته مدينة شنغهاي هو رمز للحداثة والتحول الاقتصادي للصين، أما على أرض الواقع، ففي حين تبدو الروبوتات المصممة على هيئة كلاب والطائرات بدون طيار التي لا يتوقف أزيزها التي تذكِّر سكان شنغهاي بإجراءات مكافحة جائحة كورونا اختراعات قادمة من المستقبل، فإن الصعوبات المستمرة التي تواجهها الصين في التغلب على الموجة الأخيرة من كوفيد-19، بالإضافة إلى سوء الإدارة المحلية، تلقي ظلالًا من الشك على قدرة الصين على استخدام استراتيجية “صفر-كوفيد” الديناميكية مصدرًا للقوة الناعمة خلال الشهور القادمة.
لوكاس فيالا هو منسق مشروع التوقعات الصينية – مؤسسة التفكير في السياسات الخارجية التابعة لكلية لندن للاقتصاد (LSE IDEAS China Foresight) وهوجو جونز باحث مشارك وعضو في مؤسسة التفكير.