يقول رئيس الوزراء الأسترالي الأسبق وخبير الشؤون الصينية البارز كيفين رود بأن الثروات السياسية للرئيس الصيني شي جين بينج تستند إلى ثلاث ركائز وهي القومية الشعبية واستمرار شرعية العلامة التجارية الماركسية اللينينية للحزب الشيوعي الصيني كنظام اجتماعي يساعد في دعم اقتصاد الصين واستمرار نجاح هذا النهج الاقتصادي الذي تتبعه البلاد.
ونظرًا لتعرض كلًا من الاقتصاد الصيني وشرعية الحزب الحاكم للانتقاد بسبب الإجراءات المثيرة للجدل الخاصة بإغلاق شنغهاي بسبب تفشي فيروس كورونا، فإن إبقاء حشود القوميين عبر الإنترنت لمساندة الحكومة أصبح أمرًا غاية في الأهمية.
وفي هذا الإطار زادت مخاوف الصين من قلق دول الجزء الجنوبي من العالم فيما يخص تأثير الأزمة الأوكرانية على الأوضاع في بلادهم. ويمكن مقارنة تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 مارس لإدانة الغزو الروسي – الذي حصل على تأييد 141 دولة معارضة 5 دول وامتناع 25 دولة عن التصويت – بعملية التصويت لطرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والتي حصلت في المقابل على 93 صوتًا مؤيدًا و24 صوتًا معارضًا بينما امتنعت 58 دولة عن التصويت.
وبالرغم من محاولاتنا لعدم المبالغة في قراءة النتائج، يبدو أن هناك ضعف تدريجي في رغبة الدول في اتباع موقف الغرب، في الوقت الذي تغير موقف الصين من الامتناع عن التصويت إلى التصويت بالرفض صراحةً وقد تم دعم موقفها بتصويت مشابه من تسع دول أفريقية.
واللافت للنظر هو ازدياد عدد دول الجنوب التي امتنعت عن التصويت للقرارات المناهضة لروسيا، فمنذ عملية التصويت الأولى، نجحت الصين نجاحًا باهرًا في استخدام الوسائل الدبلوماسية للحشد لـ” اللا موقف” التي اتخذته تجاه القضية، وبعبارة أخرى، اتخذت الصين موقفها بناءً على مخاوفها المحلية ورغبتها في إبقاء القوميين في الجبهة المناهضة لحلف شمال الأطلسي بالإضافة إلى مخاوفها بشأن العقوبات الغربية المحتملة، وانتهى الأمر بانضمام العديد من دول الجنوب العالمي إلى الموقف الصيني.
وكنا قد نشرنا مؤخرًا مقالًا رائعًا لسفير تشيلي السابق والمتخصص في شؤون أمريكا اللاتينية خورخي هايني الذي قال فيه أن الصراع في أوكرانيا يدفع الدول في الجزء الشمالي من العالم إلى حرب باردة جديدة بينما تتخلص الدول الجنوبية من آثار الصراعات من خلال اتباع سياسة عدم الانحياز الباردة.
ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الأثر الاقتصادي للحرب حيث تقول الأمم المتحدة أن قلة صادرات القمح والأسمدة الروسية والأوكرانية سوف تتسبب ف معاناة 13.1 مليون شخص من الجوع.
والمعروف أن الارتفاع السريع في أسعار المواد الغذائية قد يؤدي مباشرةً إلى احتجاجات مناهضة للحكومة في في دول الجنوب ولهذا تتخذ هذه الدول موقفا مشابهًا لموقف الصين تجاه الصراع، بينما تحاول الأخيرة الاستفادة قدر الإمكان من جيش القوميين الذين يدعمون الرئيس شي جين بينج قبل أن يبدأ هذا الدعم في التلاشي مع الوقت.
وبرغم اختلاف الظروف من دولة لأخرى، تتشابه مخاوف الحكومات من وجود المعارضين ونشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا عانت الشعوب من الجوع، ستبدأ الأوضاع في التفاقم بشكل متشابه في العديد من البلدان ولذلك اتبعت العديد من هذه الدول سياسة عدم الانحياز مثل الصين وقد تمكنت بكين بمهارة من تحويل هذا الموقف إلى جبهة جديدة للتوافق بينها وبين دول الجنوب.
لذلك يتعين على الغرب المشغول بتجميع الأدلة على الفظائع التي ترتكبها روسيا في مناطق مثل بوشيا الانتباه إلى هذا التحالف الناشيء تحت قيادة الصين.