اتبع CAP على وسائل التواصل الاجتماعي

استمع إلى البودكاست الخاص بـ CAP

كيف تؤثر أزمة الديون على صورة الصين كشريك إنمائي؟

طلاب جامعيون سريلانكيون يحتجون ضد الحكومة في شوارع كولومبو. الصورة عبر إيشارا كوديكارا / وكالة فرانس بريس

بقلم: لوكاس فيالا

مع تصاعد أزمة الديون في بلدان الجنوب العالمي، أجرى العديد من المحللين موازنة بين دوافع سداد الديون والتبعات المترتبة على الإخفاق في سدادها. وليس من المفاجئ طبعًا أن تكون الصين في القلب من هذه المناقشات؛ إذ إنها دائن رئيسي للعديد من حكومات البلدان النامية بموجب اتفاقيات ثنائية. وقد ألقى تقريران حديثان الضوء على بعض الجوانب المهمة لهذه القضية.

ففي مقال حديث نشرته مجلة الشؤون الدولية (دار جامعة أكسفورد للنشر – بالانجليزية)، تركز ديبوره بروتيجام، الخبيرة بالشؤون الصينية الأفريقية، بصفة خاصة على حالة زامبيا والمخصصات المرتفعة نسبيًا الواجب عليها توفيرها لسداد الديون الصينية. وتصف بروتيجام حالة زامبيا بأنها نموذج للفشل التام في التنسيق، وهو ما يناقض الادعاءات الشائعة بأن نظام الإقراض الصيني يعكس رغبة الصين في امتلاك أصول استراتيجية من خلال التشجيع على الوصول إلى مستويات دين غير محتملة.

شهدت زامبيًا “تنافسًا هائلًا وغير منظم على الفوز بعقود البنية الأساسية”؛ وذلك بسبب القروض التي قدمتها 18 جهة إقراض صينية مختلفة منذ عام 2000، إلى جانب عدد كبير من المتعاقدين الفائزين بالمشروعات الممولة صينيًا (بإجمالي 29 مشروعًا). أضف إلى ذلك ضعف الإطار التنظيمي الصيني للأنشطة التجارية الخارجية، وهو ضعف ناتج عن غياب التنسيق المركزي لأنشطة الشركات.  وكذلك فقد سبق مرارًا وتكرارًا أن أسقطت الصين وغيرها من المقرضين ديونهم المستحقة، وهي ديون كفيلة بإجهاض أي جهود تقوم بها النخب المحلية لإعداد ميزانية ملائمة. كل هذه الظروف جعلت من زامبيا نموذجًا للتداخل المعقد بين عدد هائل من عوامل الأزمة الحالية.

بغض النظر عن أسباب المأزق المالي الحالي الذي تواجهه زامبيا، فدول الجنوب العالمي تراقب من كثب الإجراءات التي ستتخذها الصين للتعامل مع قضية الديون هناك. وقد وافقت الصين فعلًا منذ أيام قلائل، وتحديدًا في آخر يوليو، على صفقة تاريخية لتخفيف ديون زامبيًا، وهو ما بعث برسالة اطمئنان بأن الصين ترغب في التعاون مع غيرها من الدائنين في الحالات المشابهة.

وعلى الرغم مما تحمله هذه التطورات من أخبار جيدة لموازنة زامبيا على المدى القصير، يجد المرء نفسه متسائلًا عن تأثير هذا الدور المهم الذي تضطلع به الصين في إعادة هيكلة الديون على صورتها كشريك إنمائي في بلدان الجنوب العالمي. وفي هذا الصدد تطرح دراسة حديثة  أجراها بادراج كارمودي، وتيم زايونتز، وريكاردو ريبوريدو، تصورًا بأن الصين “… تعيد حاليًا تشكيل دبلوماسيتها الاقتصادية الخارجية استجابةً لقضية الديون المرتبطة بالبنية الأساسية”، ما يعكس “إعادة تنظيم جوهرية” تخفف الصين بمقتضاها حجم مشاركتها الضخم في مشروعات البنية الأساسية، وهو ما قد يصل تأثيره إلى مشروع شي جين بينغ الأبرز “مبادة الحزام والطريق”.

ونقلًا عن الباحثين: “من المحتمل أن تستمر مبادرة الحزام والطريق، ولو في نسخة مصغرة، مع تقليل المخاطر الاقتصادية، مع إدخال تعديلات على إدارتها المالية يتحول نظام التمويل بموجبها من تمويل الدين العام إلى شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص، مع تعزيز محور التبادل بين الشعوب”.

يبدو هذا الطرح طموحًا بالنظر إلى طبيعة مبادرة الحزام والطريق وكونها تمثل إحدى سياسات شي جين بينغ الشخصية الرئيسية، إلا أنه يثير تساؤلات مهمة بشأن الكيفية التي سيواجه بها نظام التمويل الإنمائي الصيني تكاليف الإضرار بالسمعة والضغوط الاقتصادية الهيكلية.

قامت الصين بجولات استثمار استكشافية في الأسواق الناشئة ضمن استراتيجية “الاستثمار الخارجي” التي بدأت تنفيذها في منتصف تسعينيات القرن العشرين فصاعدًا، ولا شك أن تلك الجولات قد استمالت النخب السياسية، وقدمت الصين في صورة الشريك الجديد للعديد من حكومات الجنوب العالمي. وقد قدمت  الصين مشاركتها بصورة مختلفة عن غيرها من الأطراف الفاعلة الخارجية، ويبدو واضحًا أنها قدمت مسارًا مختلفًا للتنمية والوصول إلى الحداثة.

الآن وقد أصبحت الصين طرفًا رئيسيًا في مفاوضات الديون الدولية، وبالطبع تضعها مسؤوليتها كدائن في إطار مختلف عن إطار الشريك الإنمائي الذي لازمها مدة طويلة، فمن المثير حقًا معرفة الكيفية التي ستستطيع بها التنسيق بين صورتيها القديمة والحديثة.

لوكاس فيالا، منسق مشروع التوقعات الصينية، مركز الدراسات الفكرية المعني بالسياسات الخارجية – كلية لندن للاقتصاد