سجل الآن لتصلك النشرة الإخبارية الأسبوعية لمشروع أخبار الصين وأفريقيا مجانًا عبر البريد الإلكتروني

  • This field is for validation purposes and should be left unchanged.

اتبع CAP على وسائل التواصل الاجتماعي

استمع إلى البودكاست الخاص بـ CAP

زيارة شي الوهمية إلى السعودية تثير سيلًا من التكهنات حول استراتيجية الصين بشأن الشرق الأوسط

تكهنات من كل صوب وحدب حول المحطة الأولى في رحلة الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي لم يسافر إلى الخارج منذ بدء جائحة كورونا منذ ثلاث سنوات مضت تقريبًا. (تصوير: سيليم تشتايتي / وكالة فرانس برس)

بقلم: ليوناردو بروني

اكتظت شبكة الإنترنت مطلع هذا الشهر بتكهنات حول استئناف شي جين بينغ رحلاته الخارجية التي توقفت لأكثر من عامين، مستهلًا جولاته بالمملكة العربية السعودية. من المحتمل ألا تحدث هذ الزيارة، إلا أن الضجيج الإعلامي الذي أحاطها قد أتاح فرصة مثالية لاستكشاف الرؤى الإقليمية والدولية لدور الصين في الشرق الأوسط.

على الأرجح فقد صدر التقرير الذي أشار إلى هذه الزيارة من الشرق الأوسط، وبالأخص من المملكة العربية السعودية نفسها؛ إذ أثار القصة ابتداءً مراسل الجارديان في الشرق الأوسط (وليس الصين) وأيدتها صحيفة جيروزاليم بوست نقلًا عن مصدر سعودي حسب زعمها. وعلى الأغلب لم تشارك الصين في نشر هذه الإشاعة، وهو ما يمكن استنباطه من تعليق أدلى به مسؤول صيني واسع الصلة واصفًا إياها بـ "الثرثرة". إضافة إلى ذلك، قال وانغ وينبن، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ردًا على سؤال عن العلاقات الصينية السعودية خلال مؤتمر صحفي عُقد يوم 15 أغسطس، قال إن "الصين والمملكة العربية السعودية تجمعهما شراكة استراتيجية شاملة ... وقد ازدادت العلاقة بينهما قوة بفضل التعاون المثمر في مختلف المجالات"، ويبدو هذا الرد النمطي المتحفظ نفيًا مستترًا للإشاعة.

ويعضد الافتراض بأن جهات سعودية هي من أشاع قصة زيارة شي أن ذلك قد يساعد المملكة على تنفيذ استراتيجية الموازنة بين علاقاتها مع كلٍ من الولايات المتحدة والصين. وقد يكون التقرير إشارة إلى واشنطن أن الرياض لا ينبغي تجاهلها؛ إذ إن لديها بكين شريكًا بديلًا. وفي الواقع، فقد أكدت مقالات الجارديان وجيروزاليم بوست إضافة إلى تحليل صحيفة بوليتيكو التي قارنت بين جولة شي الكبرى الافتراضية إلى المملكة العربية السعودية وزيارة نظيره جو بايدن المتواضعة، في وقت سابق في يوليو، أكدت تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين.

قد يكون التوتر مع إيران دافعًا آخر وراء بث الرياض إشاعة الزيارة الوهمية؛ إذ إنها تذكر كل من بكين وطهران بأهمية العلاقات الصينية السعودية

ربما يكون الفتور الذي أبداه بايدن نحو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارته قد أثار حفيظة الرياض، إلا أن ابن سلمان، حسبما ذكر محللون بمعهد كارنيجي، ظهر بمظهر "المستفيد الأكبر" من هذه الزيارة؛ إذ اضطُّر الرئيس الأمريكي إلى التخلي عن تعهده بـ "نبذ" حكومة المملكة العربية السعودية وعاودت واشنطن بيع الأسلحة إلى الرياض.

إلى جانب هذا، يرى المراقبون الصينيون أن زيارة بايدن كانت مخيبة لآماله ولم تتمخض عن نتائج مهمة، وبذلك فمن السطحية أن ينحصر التفكير في تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين؛ فالتغيرات العالمية تنعكس على الشرق الأوسط إلى حد التأثير في ظروفه الإقليمية. وحسبما ورد في الإصدار الأخير على موقع تشاينا ميد أوبزرفر، فغالبًا ما ينظر المحللون الإقليميون والجهات الفاعلة المحلية إلى الأحداث على شاكلة زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط من خلال عدسة القضايا الإقليمية، مثل التنافس السعودي الإيراني، بدلًا من القضايا الدولية.

من هذا المنظور، قد يكون التوتر مع إيران دافعًا آخر وراء بث الرياض إشاعة الزيارة الوهمية؛ إذ إنها تذكر كل من بكين وطهران بأهمية العلاقات الصينية السعودية في سياق المحادثات الإيرانية السعودية الجارية آنذاك وتطبيع العلاقات بين طهران وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من  الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين المملكة العربية السعودية والصين؛ إذ إن بكين هي شريك الرياض التجاري وعميل النفط الخام الأكبر، فإن الحكومة السعودية لا تخفي قلقها من توثيق العلاقات بين الصين وإيران الذي كان من أبرز شواهده اتفاق تعاون شامل مدته 25 عامًا وقعه البلدان في مارس 2021.  لم تحقق الاتفاقية أي تحسن فعلي في مستوى التعاون بين البلدين عند بدء سريانها، لكنها بدأت تثمر في الشهور الأخيرة؛ إذ تفيد التقارير بوجود زيادة ملحوظة في معدل التبادل التجاري بينهما، لا سيما في قطاع النفط. إضافة إلى ذلك، يوشك المأزق الذي واجهه الاتفاق النووي الإيراني أن ينفرج، ما يعزز بدوره العلاقات الصينية الإيرانية؛ إذ يعوق نظام العقوبات الحالي التعاون في عدة مجالات (على الرغم من بقاء الشكوك حتى الانتخابات الرئيسية الأمريكية القادمة على الأقل).

ترى المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الإقليمية أن أي تعاون بين بكين وطهران يمثل خطرًا عليها، إلا أن بعض الخبراء لا يزالون متشككين في أهمية الزيادة الحديثة في معدل التبادل التجاري بين البلدين. حتى في إيران نفسها، يرتاب العديد من المعلقين الإصلاحيين في مستقبل التعاون الإيراني الصيني ويرون في بكين خطرًا على سيادة بلدهم الاقتصادية.

في المقابل، فالآراء على الجانبين السعودي والصيني متفائلة بشأن العلاقات بين بكين والرياض، وهي آراء تؤيدها البيانات الدالة على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري ومذكرة التفاهم الموقعة حديثًا بين سينوبك وأرامكو. في الواقع، فإنه من المستبعد جدًا أن تتفوق إيران على المملكة العربية السعودية في كونها شريك بكين الاقتصادي والتجاري الإقليمي الأول، على الرغم من ضغط الولايات المتحدة على حلفائها في الشرق الأوسط لقطع العلاقات مع الصين.

خلاصة القول: إن قصة زيارة شي إلى المملكة العربية السعودية قد أظهرت الاختلاف الكبير في الكيفية التي يتناول بها المحللون من داخل المنطقة وخارجها الأخبار والأحداث. وقد أظهرت أيضًا مدى الصعوبة التي تواجهها الصين من أجل التقارب المتوازن مع المتنافسين الإقليميين، وهي صعوبة تنقسم إلى شقين على الأقل، الشق الأول: أن هذا التقارب يفرض عليها الاضطلاع بدور دولي أكثر استباقية، والثاني: أن الأطراف الإقليمية تستغل التغيرات الدولية لجني مكاسب وطنية ويتجنبون في الوقت نفسه الانحياز لأي من الأطراف الدولية المتصارعة.

ليوناردو بروني زميل باحث في مشروع الصين ومنطقة البحر المتوسط.